الحمد لله الذي أكرم خواص عباده بالألفة في الدين، ووفقهم لإكرام عباده المخلصين، وزينهم بالأخلاق الكريمة والشيم الرضية، تأسيًا بأفضل البشرية، وسيد الأمة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
اعلم أيها الأخ الصالح- أصلح الله شأننا- أن لأدب الصحبة وحسن العشرة أوجهًا، وأنا مبين منها ما يدل على أخلاق المؤمنين، وآداب الصالحين، ويعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل بعضهم لبعض رحمةً وعونًا؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر».
وقال عليه السلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضًا».
وقال عليه السلام: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الأرواح تلاقى في الهوى فتشام، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
فإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا وفقه لمعاشرة أهل السنة والصلاح والدين، ونزهه عن صحبة أهل الأهواء والبدع المخالفين.
وقال عليه السلام: «المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل».
ولبعضهم:
عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينِهِ *** فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
ومن كلام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه ورضي عنه:
وَلا تَصحَب أَخا الجَهلِ *** وَإياكَ وَإِيَّاهُ
فَكَم مِن جاهِلٍ أَردى *** حَليمًا حينَ يَلقاهُ
يَقاسُ المَرءُ بِالمَرءِ *** إِذا ما هُوَ ماشاهُ
وَلِلشَّيءِ عَلى الشَيءِ *** مَقاييسُ وَأَشباهُ
وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ *** دَليلٌ حينَ يَلقاهُ
آداب العشرة:
فمن آداب العشرة:
حسن الخلق: حسن الخلق مع الإخوان والأقران والأصحاب؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال، وقد قيل له: ما خير ما أعطي المرء؟ قال: «حسن الخلق».
تحسين العيوب: ومنها تحسين ما يعانيه من عيوب أصحابه؛ فقد قال ابن مازن: المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم، وقال حمدون القصار:
إذا زل أخ من إخوانك؛ فاطلب له تسعين عذرًا، فإن لم يقبل ذلك فأنت المعيب.
معاشرة المؤمن:
ومنها معاشرة الموثوق بدينه وأمانته ظاهرًا وباطنًا.
قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَاليَومِ الأَخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَهَ وَرَسولَهُ} [المجادلة: 22].
أوجه المعاشرة:
وللمعاشرة أوجه: فللمشايخ والأكابر: بالحرمة والخدمة، والقيام بأشغالهم.
وللأقران والأوساط: بالنصيحة وبذل الموجود، والكون عند الأحكام، ما لم يكن إثمًا.
وللمريدين والأصاغر بالإرشاد والتأدب، والحمل على ما يوجبه العلم، وآداب السنة، وأحكام البواطن، والهداية إلى تقويمها بحسن الأدب.
الصفح عن العثرات: ومنها الصفح عن عثرات الإخوان، وترك تأنيبهم عليها.
قال الفضيل بن عياض: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان، فكما يجب على العبد الأدب مع سيده، يجب عليه معاشرة من يعينه عليه. قال بعض الحكماء: المؤمن طبعًا وسجية، وقال ابن الأعرابي: تناسى مساوئ الإخوان يدم لك ودهم.
وواجب على المؤمن أن يجانب طلاب الدنيا؛ فإنهم يدلونه على طلبها ومنعها، وذلك يبعده عن نجاته ويقظته عنها، ويجتهد في عشرة أهل الخير وطلاب الآخرة؛
ولذلك قال ذو النون لمن أوصاه: عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهرك، وتعينك رؤيته على الخير، ويذكرك مولاك.
موافقة الإخوان: ومنها قلة الخلاف للإخوان، ولزوم موافقتهم فيما يبيحه العلم والشريعة، قال أبو عثمان: موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم.
الحمد على الثناء: ومنها أن يحمدهم على حسن ثنائهم، وإن لم يساعدهم باليد؛ لقوله عليه السلام: «نية المؤمن أبلغ من عمله»، قال علي كرم الله وجهه: من لم يحمل أخاه على حسن النية، لم يحمده على حسن الصنعة.
ترك الحسد: ومنها ألا يحسدهم على ما يرى عليهم من آثار نعمة الله، بل يفرح بذلك، ويحمد الله على ذلك، كما يحمده إذا كانت عليه؛ فإن الله تعالى ذم الحاسدين على ذلك بقوله: {أَم يَحسُدُونَ الناسَ عَلى ما أتَاهُمُ اللَهُ مِن فَضلِهِ} [النساء: 54]، وقال عليه السلام: «كاد الحسد أن يغلب القدر»، وقال: «لا تحاسدوا».
عدم المواجهة بما يكره: ومنها ألا يواجههم بما يكرهون؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
ملازمة الحياء: ومنها ملازمة الحياء في كل حال؛ لقوله عليه السلام: «الإيمان بضعة وسبعون أو وستون بابًا، أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبةٌ من الإيمان».
وقال رجل للنبي عليه السلام: أوصني، قال: «استحيي من الله عز وجل، كما تستحيي رجلًا من صالح قومك». وقال: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار».
المروءة والمحبة: ومن المعاشرة صدق المروءة، وصفاء المحبة؛ فإنها لا تتم إلا بهما.
إظهار الفرح والبشاشة: ومنها بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسعة القلب، وبسط اليد، وكظم الغيظ، وترك الكبر، وملازمة الحرمة، وإظهار الفرح بما رزق من عشرتهم وأخوتهم.
صحبة العالم العاقل: ومنها ألا يصحب إلا عالمًا، أو عاقلًا فقيهًا حليمًا. قال ذو النون رحمة الله عليه: ما خلع الله على عبدٍ من عبيده خلعةً أحسن من العقل، ولا قلده قلادةً أجمل من العلم، ولا زينه بزينةٍ أفضل من الحلم، وكمال ذلك التقوى. وقال عليه السلام: «من سعادة المرء أن يكون إخوانه صالحين».
سلامة القلب وإسداء النصيحة: ومنها سلامة قلبه للإخوان، والنصحية لهم، وقبولها منهم؛ لقوله تعالى: {إِلّا مَن أَتى اللَهَ بِقَلبٍ سَليمٍ} [الشعراء: 89]. وقال السقطي رحمه الله: من أجل أخلاق الأبرار سلامة الصدر للإخوان، والنصيحة لهم.
حنث الوعد: ومنها ألا يعدهم ويخالفهم؛ فإنه نفاق. قال عليه الصلاة والسلام: «علامة المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان». وقال الثوري رحمه الله: لا تعد أخاك وتخلفه؛ فتعود المحبة بغضة. وأنشدوا:
يا واعِدًا أَخلفَ في وَعدِهِ *** ما الخُلفُ مِن سيرَةِ أَهلِ الوَفا
ما كانَ ما أَظهَرتَ مِن وُدِّنا *** إِلّا سِراجًا لاحَ ثُمَ اِنطَفا
صحبة الوقور: ومنها صحبة من يستحيا منه؛ ليزجره ذلك عن المخالفات؛ فقال قال عليٌّ كرم الله وجهه: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: ما أوقعني في بلية إلا صحبة من لا أحتشمه.
الإخلاص في الصحبة: ومنها أن يراعي في صحبة أخوانه صلاحهم لا مرادهم، ودلالته على رشدهم لا على ما يحبونه، قال أبو صالح المزي رحمه الله: المؤمن من يعاشرك بالمعروف، ويدلك على صلاح دينك ودنياك، والمنافق من يعاشرك بالمماذعة، ويدلك على ما تشتهيه، والمعصوم من فرق بين الحالين.
ترك الأذى: ومنها ألا تؤذي مؤمنًا، ولا تجاهل جاهلًا؛ لقوله عليه السلام: «إن الله يكره أذى المؤمن». وقال الربيع بن خثيم رحمه الله: الناس رجلان، مؤمن فلا تؤذه، وجاهلٌ فلا تجاهله.
حسن العشرة: ومنها مطالبة الإخوان بحسن العشرة، حسب ما يعاشرهم به؛ لقوله عليه السلام: «لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
قال الحكيم: صفوة العشرة للخلق، رضاك عنهم بمثل ما تعاشرهم به.
وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله: اطلب الفضل بالإفضال منك؛ فإن الصنيعة إليك كالصنيعة منك.
رأي عمر في المودة: ومنها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
حسن الظن: ومنها حمل كلام الإخوان على أحسن الوجوه، ما وجدت ذلك.
قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه: كتب إلي بعض إخواني من الصحابة: أن ضع أمر أخيك على الأحسن ما لم تغلب.
معرفة أسماء الإخوان وأنسابهم: ومنها معرفة اسم الإخوان واسم آبائهم؛ لئلا تقصر في حقوقهم؛ فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: رآني النبي صلى الله عليه وسلم ألتفت، فقال: «إلام تلتفت؟» قلت: إلى أخ لي أنا في انتظاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحببت رجلًا فسله عن اسمه، واسم أبيه وجده وعشيرته ومنزله، فإن مرض عدته، وإن استعان بك أعنته».
مجانبة الحقد: ومنها مجانبة الحقد، ولزوم الصفح، والعفو عن الإخوان.
قال هلال بن العلاء: جعلت على نفسي ألا أكافئ أحدًا بشرٍ ولا عقوقٍ؛ اقتداءً بهذه الأبيات:
لمّا عَفَوتُ وَلَم أَحقِد عَلى أَحَدٍ *** أَرَحتُ نَفسِيَ مِن غَمّ العَداواتِ
إِنّي أُحيّي عَدَوِّي حينَ رُؤيَتِهِ *** لِأَدفَعَ الشَرَّ عَنّي بِالتَحيّاتِ
وأَظهِرُ البِشرَ لِلإِنسانِ أَبغِضُهُ *** كَأَنَّهُ قَد حُشيَ قَلبي مَسَرّاتِ
وأنشد أحمد بن عبيد عن المدائني:
وَمَن لَم يُغمّض عَينَهُ عَن صَديقِهِ *** وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهُوَ عاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِدًا كُلَّ عَثرَةٍ *** يَجِدها وَلا يَسلَم لَهُ الدَهرَ صاحِبُ
حفظ العهد: ومنها ملازمة الأخوة، والمداومة عليها، وترك الملل.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل». وقال محمد بن واسع: وليس لملولٍ صديقٌ، ولا لحاسدٍ غناءٌ.
إقلال العتاب: ومنها الإغضاء عن الصديق في بعض المكاره.
وينشد:
صَبَرتُ عَلى بَعضِ الأَذى خَوفَ كُلِّهِ *** وَدافَعتُ عَن نَفسي بِنَفسي فَعَزَّتِ
فَيا رُبَّ عِزٍّ ساقَ لِلنَّفسِ ذُلَّها *** وَيا رُبَّ نَفسٍ بِالتَذلُّلِ عَزَّتِ
وَجَرَّعتُها المَكروهَ حَتّى تَجَرَّعَت *** وَلَو لَم أُجَرِّعها كَذا لاشمَأَزَّتِ
وأنشد ثعلب:
أُغمِّضُ عَيني عَن صَديقي تَجَسُّمًا *** كَأَنّي بِما يَأتي مِن الأَمرِ جاهِلُ
وَما بِيَ جَهْلٌ غَيرَ أَنَّ خَليقَتي *** تُطيقُ اِحتمالُ الكُرهِ فيما تُحاوِلُ
و لبعضهم:
إِذا كُنتَ في كُلِّ الأُمورِ مُعاتِبًا *** صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِدًا أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ *** مُقارِفُ ذَنبٍ مَرَّةً وُمُجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِرارًا عَلى القَذى *** ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
ترك الاستخفاف: ومنها ترك الاستخفاف بأحد من الخلق، ومعرفة كل واحد منهم؛ ليكرم على قدره.
قال ابن المبارك: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.
ملازمة الصديق: ومنها ألا تقطع صديقًا بعد مصادقته، ولا ترده بعد قبول.
لَا تَمْدَحَنَّ امْرَأً حَتّى تُجرِّبَهُ *** وَلا تَذُمَّنَّهُ مِن غَيرِ تَجريبِ
فَإِنَّ حَمدَكَ مَن لَم تَبلُهُ سَرَفٌ *** وَإِنَّ ذَمَّكَ بَعدَ الحَمدِ تَكذيبُ
قال حمدون القصار: اقبلوا إخوانكم بالإيمان، وردوهم بالكفر؛ فإن الله سبحانه وتعالى أوقع ما بين هذين في مشيئته، وقال: {إِنَّ اللَهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ} [النساء: 48].
قدسية الصداقة: ومنها ألا يضيع صداقة صديق بعد ود؛ فإنها عزيزة.
وكتب عالم إلى من هو مثله: أن اكتب لي بشيءٍ ينفعني في عمري، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، استوحش من لا إخوان له، وفرط المقصر في طلبهم، وأشد تفريطًا من ظفر بواحد منهم فضيعه، ولوجد أن الكبريت الأحمر أيسر من وجدانه، وإني أطلبه منذ خمسين سنة، ولم أجد إلا نصف صديق.
والناس ثلاثة: معرفة، وأصدقاء، وإخوان؛ فالمعرفة بين الناس كثيرة، والأصدقاء عزيزة، والأخ قلما يوجد.
التواضع والتكبر: ومنها التواضع للإخوان، وترك التكبر عليهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضع حتى لا يفخر أحد على أحد».
وقال المبرد: النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه العجب.
جوامع العشرة: ومن جوامعها قول ابن الحسن الوراق، وقد سأل أبا عثمان عن الصحبة، قال: هي مع الله بالأدب، ومع الرسول عليه السلام بملازمة العلم واتباع السنة، ومع الأولياء بالاحترام والخدمة، ومع الإخوان بالبشر والانبساط، وترك وجوه الإنكار عليهم، ما لم يكن خرق شريعة، أو هتك حرمة، قال الله تعالى: {خُدِ العَفوَ وَأَمرُ بِالعُرفِ} [الأعراف: 199]، والصحبة مع الجهال بالنظر إليهم بعين الرحمة، ورؤية نعمة الله عليك؛ إذ لم يجعلك مثلهم، والدعاء لله أن يعافيك من بلاء الجهل.
حفظ المودة والأخوة: ومنها حفظ المودة القديمة، والأخوة الثابتة؛ لقوله عليه السلام: «إن الله يحب حفظ الود القديم»؛ ودخلت امرأةٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدناها، فقيل له في ذلك، فقال: «إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان»، وقال محمد المغازلي رحمه الله: من أحب أن تدوم له المودة؛ فليحفظ مودة إخوانه القدماء؛ ولبعضهم:
ما ذاقَتِ النَفسُ على شَهوةٍ *** أَلَذَّ مِن حُبِّ صَديقٍ أَمين
من فاتَهُ وُدُّ أَخٍ صالِحٍ *** فَذَلِكَ المَغبونُ حَقَّ اليَقين
ولبعض الحكماء من السلف: عاشروا الناس؛ فإن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم.
صحبة السلامة: ومنها قول أبي عثمان الحيري، وقد سئل عن صحبة السلامة: أن يوسع الأخ على أخيه من ماله، ولا يطمع فيما له، وينصفه، ولا يطلب الإنصاف منه، ويستكثر قليل بره، ويستصغر من منًّا به عليه.
الإيثار والإكرام: ومنها إيثار الإخوان بالكرامة على نفسه.
قال أبو عثمان: من عاشر الناس، ولم يكرمهم، وتكبر عليهم؛ فذلك لقلة رأيه وعقله؛ فإنه يعادي صديقه، ويكرم عدوه، فإن إخوانه في الله أصدقاؤه، ونفسه عدوه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك».
وقال القاسم بن محمد: قل جعل الله في الصديق البار عوضًا من الرحم المدبر.
حقوق الفقراء: ومنها معرفة حقوق الفقراء، والقيام بحوائجهم وأسبابهم.
قال ابن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف ولا يستكبر، أن يمشي مع الأرملة والمسكين؛ فيقضي حاجتهما.
حسن العشرة: ومنها ملازمة الأدب مع الإخوان، وحسن معاشرتهم.
فقد قال الجنيد رحمه الله إذ سُئل عن الأدب: إنه حسن العشرة.
والفرق بين عشرة العلماء والجهال قول يحيى بن معاذ الرازي: إن العلماء عبدوا الله بقلوبهم، والناس عبدوه بأبدانهم، والجهال عبدوه بألسنتهم، وهم عبدوه بقلوبهم وأبدانهم وألسنتهم.
حفظ الأسرار: ومنها حفظ أسرار الإخوان.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على حوائجكم بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود».
وقال بعض الحكماء: قلوب الأحرار قبور الأسرار. وقيل: أفشى رجل لصديق له سرًّا من أسراره؛ فلما فرغ قال له: حفظته؟ قال: لا، بل نسيته.
ولبعضهم:
لَيسَ الكَريمُ الَّذي إِن زَلَّ صاحِبُهُ *** بَثَّ الَّذي كانَ مِن أَسرارِهِ عَلِما
إِنَّ الكَريمَ الَّذي تَبَقى مَودَّتُهُ *** وَيَحفَظُ السِرَّ إِن صافى وَإِن صَرَما
قبول المشورة: ومنها المشورة مع الإخوان وقبولها منهم.
قال الله عز وجل: {وَشاوِرهُم في الأَمرِ} [آل عمران: 159]، قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ورسوله غنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن شاور منهم لم يعدم رشدًا، ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيًّا».
إيثار الأصحاب: ومنها إيثار الأرفاق على الإخوان. قال الله تعالى: {وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ} [الحشر: 9].
وقيل سعي إلى بعض الخلفاء بالصوفية أنهم يرفضون الشريعة؛ فأخذ منهم طائفة، منهم أبو الحسين النوري رضي الله عنه؛ فأمر بضرب أعناقهم، قال: فبادر أبو الحسين إلى السياف، فقال له السياف: ما لك بادرت دون أصحابك؟ فقال: أردت إيثار أصحابي بحياة هذه اللحظة؛ فكان ذلك سبب نجاتهم.
التخلق بمكارم الأخلاق: ومنها التخلق بمحاسن الأخلاق.
قال أبو محمد الحريري: كمال الرجل في ثلاثة: الغربة، والصحبة، والفطنة؛ فالغربة لتذليل النفس، والصحبة للتخلق بأخلاق الرجال، والفطنة للتمكين.
موافقة الإخوان: ومنها قلة مخالفة الإخوان في أسباب الدنيا؛ لأنها أقل خطرًا من أن يخالف فيها أخ من الأخوان.
قال يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا بأجمعها لا تساوي غم ساعة؛ فكيف بغم طول عمرك، وقطع إخوانك بسببها، مع قلة نصيبك منها!.
الصحبة والوفاء: ومنها أن تصاحب الإخوان على الوفاء والدين، دون الرغبة والرهبة والطمع.
قال الحريري: تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانًا طويلًا؛ حتى رق الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة؛ حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء؛ حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة.
قال الشيخ: وكنت أستحسنها له حتى رأيت مثلها للشعبي، وأظنه زاد، وسيأتي ما هو أشد.
ترك المداهنة: ومنها ترك المداهنة في الدين مع من يعاشره.
قال سهل بن عبد الله التستري: لا يشم رائحة الصدق من داهن نفسه أو غيره.
تحري الموافقة: ومنها قلة الخلاف على الإخوان، وتحري موافقتهم فيما يريدون في غير مخالفة الدين والسنة؛ قالت جويرية: دعوت الله أربعين سنة أن يعصمني من مخالفة الإخوان.
الذب عن الإخوان: ومنها القيام بأعذارهم، والذب عنهم، والانتصاب له، كما قال الجنيد رحمه الله وقيل له: ما بال أصحابك أكلهم كثير؟ قال: لأنهم لا يشربون الخمر؛ فيكون جوعهم أكثر، وقيل له: ما بالهم لهم قوة شهوةٍ؟ قال: لأنهم لا يزنون، ولا يدخلون تحت محظورٍ، قيل: فما بالهم لا يطربون إذا سمعوا القرآن؟ قال: لأنه كلام الحق، ما فيه ما يوجب الطرب، نزل بأمر ونهيٍ، ووعدٍ ووعيدٍ، فهو يقهر، قيل: فما بالهم يطربون عند القصائد؟ قال: لأنها مما عملت أيديهم، قيل: فما بالهم يطربون عند الرباعيات؟ قال: لأنها كلام المحبين والعشاق، قيل: فما بالهم محرومين من الناس؟ قال: قد قال أستاذنا القصار إذ سئل عن ذلك: لخلال ثلاث، أحدها: أن الله لا يرضى ما لهم لهم، والثانية: أنه تعالى لم يرض حسناتهم بصحائف الناس، والثالثة: أنهم قومٌ لم يسيروا إلا إلى الله، فمنحهم كل ما سواه، وأفردهم له.
احتمال الأذى: ومنها احتمال الأذى، وقلة الغضب، والشفقة، والبسط، والرحمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل إذ قال له: عظني وأوجز، قال: «لا تغضب»، وقوله: «من موجبات المغفرة طيب الكلام»، وقوله: «من لا يرحم لا يرحم».
الانبساط في النفس والمال: ومنها الانبساط لإخوانه في النفس والمال، وألا يرى بينه وبينهم فرقًا.
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان ينبسط في مال أبي بكر رضي الله عنه، ويحكم فيه كانبساطه في ماله وحكمه».
الكاتب: أبو البركات محمد بن أحمد الغزي.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.